ما هو التصرف الصحيح في أوقات تقلبات السوق إذا كنت مستثمرًا طويل المدى؟
ما هو التصرف الصحيح في أوقات تقلبات السوق إذا كنت مستثمرًا طويل المدى؟
تُعد الأسواق المالية بطبيعتها عرضة للتقلبات المستمرة، وقد تزداد هذه التقلبات حدّة خلال الفترات التي تشهد اضطرابات اقتصادية أو قرارات سياسية مفاجئة. في السنوات الأخيرة، تأثرت الأسواق العالمية بعدة عوامل من أبرزها التوترات التجارية، وقرارات سياسية مثل فرض الرسوم الجمركية من قبل الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، والتي تركت آثارًا واضحة على أداء الأسواق وخلقت بيئة من عدم اليقين.
هل ما يحدث الآن في الأسواق طبيعي؟ وما أسبابه؟
يشهد سوق الأسهم خلال الفترة الأخيرة تقلبات حادة أثارت قلق الكثير من المستثمرين، سواء على مستوى الأسواق العالمية أو المحلية. البعض يعتقد أن ما يحدث غير مسبوق، والبعض الآخر يتساءل إن كان هذا الانخفاض مؤقتًا أم بداية لانهيار طويل. للإجابة عن هذه التساؤلات، لا بد أن نفهم أولًا أسباب التقلبات الحالية، ثم نحلل إن كانت جزءًا طبيعيًا من دورة السوق أم لا.
أبرز الأسباب الحالية لتقلب الأسواق:
1. التوترات التجارية والسياسية العالمية
القرارات المتعلقة بفرض رسوم جمركية بين الدول — كما حدث في فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مع الصين — خلقت موجات من التوتر وعدم اليقين. هذه السياسات لا تزال تلقي بظلالها على العلاقات التجارية العالمية، مما يؤثر بشكل مباشر على حركة الأسواق والأسهم، خاصة في القطاعات التي تعتمد على التصدير أو الاستيراد.
2. الضغوط التضخمية وارتفاع أسعار الفائدة
خلال السنوات الماضية، قامت البنوك المركزية، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، برفع أسعار الفائدة بشكل متسارع بهدف كبح التضخم. لكن هذا القرار يجعل تكلفة الاقتراض أعلى، ويضغط على أرباح الشركات، خاصة الشركات ذات النمو المرتفع التي تعتمد على التمويل.
ارتفاع الفائدة أيضًا يجعل الاستثمار في الأسهم أقل جاذبية مقارنة بالسندات أو الودائع، مما يؤدي إلى خروج سيولة من السوق.
3. مخاوف الركود الاقتصادي العالمي
مع تباطؤ النمو في بعض الاقتصادات الكبرى، بدأت المخاوف تتصاعد من دخول العالم في موجة ركود جديدة. هذه التوقعات تؤثر نفسيًا على المستثمرين، وتؤدي إلى موجات بيع جماعي خشية هبوط الأرباح المستقبلية للشركات.
4. سلوك المستثمرين القصير الأجل
في كثير من الأحيان، يؤدي تداول الأفراد والمضاربين بناءً على الأخبار اللحظية إلى مضاعفة حجم الحركة في السوق، مما يعزز من التذبذب. وهذا يُظهر أثرًا كبيرًا على المؤشرات حتى وإن لم تكن الأساسيات الاقتصادية مقلقة بدرجة كبيرة.
هل هذا طبيعي؟
نعم، ما يحدث الآن طبيعي جدًا في سياق الأسواق المالية.
السوق دائمًا يمر بدورات:
• صعود (Bull Market)
• هبوط (Bear Market)
• تصحيحات قصيرة (Corrections)
• ركود مؤقت (Recessions)
في الواقع، التصحيحات التي تصل إلى انخفاض بنسبة 10–15% تحدث تقريبًا مرة كل عامين، والانهيارات الأكبر تحدث كل 7–10 سنوات تقريبًا. لذا، ما نشهده اليوم ليس جديدًا، بل هو جزء من دورة السوق الطبيعية، ويجب على المستثمرين طويلي الأمد أن يتقبلوه لا أن يخافوا منه.
الأهم من ذلك، أن الأسواق تعود دائمًا إلى الصعود بعد كل أزمة، بل وتحقق قممًا تاريخية جديدة. لكن ذلك يحدث فقط لمن يصبرون، ويواصلون الاستثمار بعقلية طويلة المدى. الاضطرابات الحالية، رغم أنها تبدو مقلقة، إلا أنها فرصة لمن يحسنون قراءة السوق. فكما أن هناك من يبيع بخسارة بسبب الخوف، هناك من يشتري بذكاء ويستثمر في أقوى الشركات بأسعار مغرية.
بينما قد يشعر المستثمرون قصيرو الأجل بالقلق حيال هذه التغيرات السريعة، إلا أن المستثمرين طويلي الأجل بحاجة إلى منظور مختلف واستراتيجية أكثر هدوءًا وثباتًا. في هذا المقال، سنناقش كيف يمكن للمستثمر طويل الأجل أن يتصرف بحكمة خلال فترات التقلبات السوقية، وما هي المبادئ التي ينبغي عليه التمسك بها لتحقيق أهدافه المالية على المدى البعيد.
1. لا تبيع تحت ضغط الأخبار
من أكبر الأخطاء التي يقع فيها المستثمرون هي اتخاذ قرارات سريعة بسبب الخوف من الأخبار السلبية أو الهبوط الحاد في السوق. في أوقات التوتر، تمتلئ وسائل الإعلام بالتحذيرات والتوقعات المتشائمة، ما يدفع بعض المستثمرين إلى بيع أصولهم بخسائر.
ولكن التاريخ المالي يثبت أن الأسواق دائمًا ما تمر بدورات هبوط وتعافٍ. وفي الغالب، فإن من يبيع في القاع يخسر فرصة الاستفادة من الارتداد القوي المتوقع لاحقًا. لذلك، إذا كنت مستثمرًا طويل الأمد، يجب أن تتجنب القرارات العاطفية، وأن تتذكر أن الهبوط مؤقت، أما أهدافك المالية فهي طويلة الأجل.
2. اختر الشركات القوية وابقَ معها
في أوقات عدم اليقين، لا يعني ذلك أن تحتفظ بأي سهم في محفظتك. بل يجب أن تراجع جودة الشركات التي تستثمر بها. اسأل نفسك:
• هل الشركة تحقق أرباحًا مستقرة؟
• هل لديها ميزانية قوية ونسب مديونية منخفضة؟
• هل تستمر في توزيع الأرباح في الأزمات؟
• هل لها قيادة إدارية جيدة وخطة واضحة للمستقبل؟
الشركات ذات الأساس القوي غالبًا ما تنجو من الأزمات بل وقد تستفيد منها، بينما الشركات الضعيفة قد تتعرض لخسائر فادحة أو الإفلاس. لذلك، بدلاً من بيع كل شيء، ركّز على إعادة توازن محفظتك والتمسك بالشركات ذات الجودة العالية.
3. استغل انخفاض الأسعار للشراء
يقول المستثمر الأسطوري وارن بافيت: “كن خائفًا عندما يكون الآخرون جشعين، وكن جشعًا عندما يكون الآخرون خائفين.”
وهذه واحدة من أهم النصائح في عالم الاستثمار. فالتقلبات ليست فقط تحديًا، بل فرصة أيضًا. انخفاض الأسعار يعني أن بإمكانك شراء أسهم قوية بأسعار أقل، مما يعزز من عوائدك المستقبلية عند تعافي السوق.
إذا كنت تمتلك سيولة، حاول أن تدرس السوق وتحدد الأسهم التي انخفضت قيمتها مؤقتًا ولكنها تظل قوية من حيث الأداء والتوزيعات. هذه الشركات ستكون من أوائل المستفيدين عند تحسن الوضع الاقتصادي.
4. اتبع استراتيجية التدرج في الشراء (Dollar Cost Averaging)
من الوسائل المفيدة لتقليل أثر التقلبات هي استراتيجية “متوسط التكلفة”، أو ما يُعرف بـ Dollar Cost Averaging. وتعني ببساطة أن تقوم بشراء الأسهم أو صناديق الاستثمار بشكل منتظم وبمبالغ ثابتة، سواء كان السوق مرتفعًا أو منخفضًا.
هذه الطريقة تساعدك على تقليل مخاطرك، لأنها تضمن أنك لا تشتري فقط في القمم، بل تستفيد من الأسعار المنخفضة أيضًا. ومع مرور الوقت، سيقل أثر التذبذب وتتحسن متوسطات الشراء الخاصة بك.
5. لا تراقب السوق بشكل يومي
المتابعة اليومية للأسعار والأخبار قد تؤدي إلى القلق واتخاذ قرارات غير عقلانية. من الأفضل للمستثمر طويل المدى أن يتابع أداء محفظته بشكل ربع سنوي أو نصف سنوي، ويركز على التقدم نحو الأهداف وليس تقلبات اليوم الواحد.
تذكّر أن تقلبات اليوم لا تعني شيئًا أمام أهداف تمتد لسنوات طويلة، مثل الادخار للتقاعد أو لبناء ثروة للأبناء.
6. احتفظ باحتياطي نقدي للطوارئ
من القواعد الذهبية في الاستثمار أن لا تستثمر كل أموالك في السوق. احتفظ دائمًا بنسبة من محفظتك في صورة سيولة نقدية تكفي لتغطية مصاريف 3-6 أشهر. هذا الاحتياطي يمنحك راحة نفسية أثناء الأزمات، ويمنعك من بيع أسهمك بخسارة في حال احتجت إلى المال.
كما أنه يعطيك فرصة للاستثمار عند هبوط الأسعار دون أن تضطر إلى تسييل استثماراتك الأساسية.
7. التزم بهدفك الاستثماري
أحد أهم العوامل التي تساعدك على الثبات وقت الأزمات هو وضوح الهدف. هل تستثمر لتأمين التقاعد؟ لشراء منزل بعد 10 سنوات؟ لبناء دخل شهري من التوزيعات؟
كلما كان هدفك واضحًا، كلما أصبح من السهل تجاهل الضوضاء اليومية والتركيز على الصورة الكبرى.
قم بمراجعة هدفك كل فترة، وتأكّد أن محفظتك تسير في الاتجاه الصحيح لتحقيق هذا الهدف. التعديلات البسيطة مطلوبة أحيانًا، ولكن التخلي الكامل عن الخطة وقت الأزمات هو ما يسبب الخسائر الفادحة.
8. التنويع هو درعك في الأزمات
التنويع يعني توزيع استثماراتك على أكثر من قطاع وأكثر من شركة وربما أكثر من دولة أيضًا. هذا التوزيع يقلل من المخاطر، لأن انخفاض أداء قطاع معين يمكن أن يعوضه ارتفاع قطاع آخر.
فمثلاً، إذا تراجعت أسهم شركات التكنولوجيا، قد تحافظ شركات الطاقة أو الأغذية على أدائها. التنويع لا يلغي المخاطر كليًا، لكنه يقلل من أثر الصدمات المفاجئة.
خلاصة: ما هو التصرف الصحيح؟
المستثمر الناجح هو من يتعامل مع التقلبات بهدوء واحتراف، ويستغل الفرص بدلًا من الهروب منها. في أوقات التقلبات مثل ما نشهده اليوم، بسبب عوامل مثل الرسوم الجمركية أو الركود أو التوترات السياسية، فإن التصرف الصحيح للمستثمر طويل الأجل هو:
• التمسك بالخطة.
• استثمار تدريجي.
• مراجعة المحفظة.
• الاستفادة من الانخفاضات.
• الابتعاد عن القرارات العاطفية.
تذكر دائمًا: الأزمات مؤقتة، أما بناء الثروة يحتاج وقتًا وصبرًا وانضباطًا. والذين يتمسكون بمبادئ الاستثمار طويل المدى هم من يحصدون النتائج الأفضل على المدى الطويل.
تعليقات
إرسال تعليق